إذن فالفائدة التي يمكن أن نستنتجها هي أن الإنسان مهما بلغ في الفضل والإيمان والتقوى يمكن أن يتكرر منه الذنب، وهذا ما وقع في حق ذلك الصحابي، ولأن حالته حالة خاصة ومخالفة للأصل، فقد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحب الله ورسوله، لكن العادة أن من يشرب الخمر مراراً لا يكون أهلاً لأن يثنى عليه أو يمدح، وهذا هو الأصل في من يشرب الخمر، لكن هذا الرجل ليس ممن أدمن، وإنما هو رجل فيه إيمان وفيه خير، إنما يغلبه شيطانه، ولا شك أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يشربون الخمر في أول الإسلام، فقد كانت الخمر حلالاً، فربما يكون هذا الرجل ممن كان قد اعتادها قبل أن تحرّم، ولم يستطع الفكاك منها، وهذا ليس عذراً له، ولكنه يجعلنا نعلم أن اجتماع محبة الله ورسوله مع تكرار هذا الذنب له ما يفسر بالنسبة لحالته، إلا أنه لا شك عندنا أنه مع حبه لله ورسوله لا يمكن أن يكون مدمناً محباً راضياً عن نفسه وهو يفعل هذه الفعلة، لكنه يغلب عليها، فهذا دليل على أنه غير مصر، قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله))[آل عمران:31] ولا شك أن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو الشرط في حصول المحبة ودعواها، ولهذا سمى السلف هذه الآية آية الامتحان وآية المحنة، فكل إنسان يدعي المحبة، لكن حقيقتها: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وكذلك قال في آية الجهاد: ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ))[التوبة:24] إلى أن قال: ((أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))[التوبة:24].
ولو كان الإنسان محباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: فإنه يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقدم هذا المتاع أو المحبات أو العلاقات على الجهاد في سبيل الله، لكن قد يقع الضعف من الإنسان ويدخل فيه التقصير فيجتمع في نفسه هذا وهذا، فوعيد الله هنا يتعلق بالمحبة المطلقة الكاملة، وهذا الصحابي يحب الله ورسوله إلا أن هذه المحبة تنخفض وترتفع عند إتيانه هذه المعصية.